فوضى التسويق- مُطاردة العطور في المولات!

المؤلف: ريهام زامكه10.31.2025
فوضى التسويق- مُطاردة العطور في المولات!

يا أصدقائي الكرام، أهلاً وسهلاً بكم في زاويتي الأسبوعية "نفحات قلم"، حيث تتجسد أفكاري المتنوعة، وتطل عليكم كلماتي التي ربما تصل في توقيت حسن، أو حتى في وقت غير مُلائم، الأمر الأهم أنها تجد طريقها إليكم على كل حال.

غاية ما أصبو إليه، وأسعى نحوه، هو أن أطمئن بأنكم تمضون يومًا يسوده الهدوء، وتتطلعون إلى مقالي دون تذكير أو تنبيه، وحتى إن غفلتم عن ذلك سهوًا أو عمدًا، فإني أدعو الله أن يتسلل إليكم مقالي عبر أثير منازلكم، وشاشات هواتفكم الذكية، ولوحات حواسيبكم، بل وحتى في غفوة أحلامكم الهانئة.

فنحن – نحن معشر الأدباء والكُتّاب – نعتنق قناعة راسخة بأن راحتكم مجرد هامش ثانوي، ولسنا إلا باعة كلمات، نسوقها إليكم ونعرضها عليكم، آملين أن يروق لكم ما نقدمه، فتشترون منا ولو الحرف الأخير من حروف الأبجدية.

فلمَ نترككم تنعمون بلحظات يومكم بكل صفاء وهناء، دون أن نكدّر عليكم شيئًا من هذا الصفو؟ ونسكب عليكم وابلًا من الأخبار والمقالات التي معظمها – للأسف – مُنغص للكثيرين، وقليل منها يُدخل البهجة إلى قلوبكم، ويرسم ابتسامة رقيقة على محياكم الوضاء، وعلى وجوهكم العابسة كذلك.

فالدنيا بأسرها تقوم على أصول وفنون التسويق والإعلان، والكل فيها يلاحق الكل، إما بمكالمات هاتفية عشوائية واقتحامية، وفي أغلب الأحيان تحدث هذه المكالمات في أوقات حرجة وغير مناسبة إطلاقًا، ودون أدنى رغبة من المتلقي، على سبيل المثال، اتصالات شركات الاتصالات لعرض باقاتها وخدماتها، أو اتصالات مندوبي البنوك والمسوقين لتقديم عروضهم الترويجية، أو استقبال رسائل نصية دعائية مزعجة من الشركات والمتاجر دون استئذان مسبق، غير آبهين بحقيقة أن التسويق الفعال والمؤثر يتطلب أول ما يتطلب احترام خصوصية العميل، وابتكار أساليب مبتكرة وذكية لاجتذاب اهتمامه بدلًا من إزعاجه وإثارته!

تبقى كل أساليب الدعاية والتسويق الرتيبة والمزعجة في جهة، ومسوقو محلات العطور في المراكز التجارية في جهة أخرى منفصلة ومستقلة!

فالوضع الذي آلوا إليه في حقيقة الأمر بات لا يُحتمل إطلاقًا، ويجب منعهم بشكل قاطع من تجاوز أكشاكهم الصغيرة، ومن مناداة المارة وملاحقتهم في كل مكان.

لأنك يا صديقي العزيز المتسوق، سوف تشعر وكأنك صيد ثمين أو هدف تتحرك، بدلًا من أن يكون الأمر مجرد ترويج عادي أو تسويق بسيط لمنتج معين.

ففي البداية، ستلمح شابًا أو فتاة يحملان بين أيديهما زجاجة عطر فاخرة، وهما يقتربان نحوك في ثبات، ثم فجأة تجد نفسك مُحاطًا ومُحاصرًا بوابل من العبارات المنمقة الجاهزة من قبيل: "يا سيدي، دقيقة من وقتك الثمين"، أو "تفضل وجرب هذا العطر المميز، لدينا عروض حصرية وهائلة"، وغيرها من الجمل والعبارات المكررة والمبتذلة، هذا بخلاف إن صادفك مسوق فضولي ومتطفل، لا يراعي أدنى اعتبار لظروف الناس، وأن بعضهم يعاني من ضيق التنفس أو حساسية مفرطة أو – ببساطة – ليس لديه أدنى استعداد لشم عطوركم التي ترشون بها الناس عنوة!

وأيضًا كل ما سبق ذكره في ناحية، وما حدث معي شخصيًا يوضع في ناحية أخرى مختلفة تمامًا؛ ففي الأسبوع الفائت، كنت أتجول في أحد المراكز التجارية الشهيرة بغرض التسوق، وصادفت نماذج مما ذكرت، لكن أغلبهن كن من النساء، وإحداهن نادت عليّ قائلة بلطف مصطنع: "تفضلي يا قمر.. ألقي نظرة على عطورنا الرائعة"، ولكني تجاهلتها تمامًا ولم أعرها أي انتباه لسببين وجيهين:

أولهما أنني ببساطة لم أكن أرغب في ذلك، والسبب الثاني والأهم على الإطلاق هو أنني أكره بشدة سماع كلمة "يا عسل" هذه، ولا أستسيغها أبدًا، ويخيل إليّ أن الذي اخترعها هو نفس الشخص الذي ابتدع كلمة "يا روحي".

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة